الثنائيات المتقابلة بين لفظتي العسر واليسر في القرآن الكريم قراءة سيميائية في البنية النصية

المؤلفون

  • الأستاذ الدكتور عبدالله محمد فهد رشيد العزاوي كلية الإمام الأعظم الجامعة – قسم أصول الدين مؤلف

DOI:

https://doi.org/10.62921/djis.2025.02102

الكلمات المفتاحية:

الثنائيات، المتقابلة، العسر، اليسر، القرآن

الملخص

المستخلص:
        تنبثقُ هذه الدراسةُ من أعماقِ النسيجِ البيانيِّ للقرآنِ الكريمِ، لِتُلقي الضوءَ على ثنائيةِ العُسْرِ واليُسْرِ كَمِحْوَرٍ دلاليٍّ تُختزَلُ فيه حكمةُ التشريعِ وسُنَنُ الكونِ، عبرَ قراءةٍ سيميائيةٍ تَغوصُ في تفاصيلِ البنيةِ النصيةِ بوصفِها نِظامًا علاماتيًّا يَستندُ إلى تَفاعُلِ الأضدادِ لِصياغةِ رؤيةٍ وجوديةٍ مُتوازنةٍ. فالسيميائيةُ، بمنهجيتها التحليليةِ التي تَربطُ بينَ الدالِّ والمَدلولِ، تُقدِّمُ مِفتاحًا لفكِّ شِفرةِ التضادِّ الظاهريِّ بينَ العُسْرِ واليُسْرِ، لِتكشِفَ أنَّهما ليسا نقيضَيْنِ مُنفصلَيْنِ، بل وَجهانِ لِحقيقةٍ واحدةٍ تُجسِّدُ سُنَّةَ اللهِ في الخَلقِ: التكاملَ بينَ التحديِ والتيسيرِ، والابتلاءِ والفرجِ. ففي الإطارِ النظريِّ، تَستندُ الثنائياتُ المتقابلةُ إلى فلسفةٍ لغويةٍ تُولِّدُ المعنى عبرَ الانزياحِ الدلاليِّ، حيثُ يَكتسبُ "العُسْرُ" معناهُ مِنْ مُقابلتِه لـ"اليُسْرِ"، كالليلِ الذي يُعرِّفُ النهارَ. وهنا يَبرُزُ الجذرُ اللغويُّ لِلَفْظَتَيْ (ع س ر) و(ي س ر) كَمِحْوَرٍ تُدَورُ حولَهُ الدلالاتُ: فالأولى تَحملُ في طياتِها معاني الشدةِ والضيقِ، والثانيةُ تَنفتحُ على السهولةِ والانفراجِ، لِيَصيرا مِثالًا حيًّا على عبقريةِ اللغةِ العربيةِ في التعبيرِ عن الثنائياتِ المُتضادةِ المُتكاملةِ. وتَكمُنُ عبقريةُ القرآنِ في تَشكيلِ أنماطِ التقابلِ بينَ الثنائيةِ: فمرةً يَظهرُ التضادُّ صريحًا في آيةٍ واحدةٍ كالجمرِ المُتوهجِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾(سورة البقرة :185)، ومرةً يُلمَّحُ إليهِ عبرَ سياقٍ يُستدعَى فيهِ ضِمْنًا، كقولهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ (سورة القمر:17)، حيثُ يُعلنُ تيسيرَ القرآنِ نافيًا عنهُ صعوبةَ العُسْرِ دونَ ذِكرِها. وهذهِ الأنماطُ لا تَقتصرُ على البنيةِ السطحيةِ، بل تَنفُذُ إلى عُمقِ العلاقاتِ السيميائيةِ التي تَربطُ بينَ العلاماتِ: فالتضادُّ يَكشِفُ عن ثنائيةِ الرحمةِ والعدلِ، والتلازمُ يُجسِّدُ حتميةَ اقترانِ اليُسْرِ بالعُسْرِ كظلٍّ وَاقفٍ وراءَ كلِّ شِدَّةٍ، والتكرارُ يُؤكِّدُ على اليقينِ بسنَّةِ اللهِ التي لا تَتبدَّلُ. ولِكشفِ أسرارِ هذهِ الثنائيةِ، تَغوصُ الدراسةُ في البنيةِ النصيةِ للآياتِ: فالتشكيلُ الصوتيُّ يَلعبُ دورًا محوريًّا، حيثُ تَنفرِجُ حروفُ "اليُسْرِ" (ي-س-ر) بانسيابيةٍ تُعبِّرُ عن السهولةِ، بينما تَتعانَقُ حروفُ "العُسْرِ" (ع-س-ر) بِصَوتٍ حَلقيٍّ يَحمِلُ وَقعَ المشقةِ، لِيَخلُقَا تَناغُمًا غَرِيبًا يُوحِي بالتوازنِ. أمَّا الصيغُ الصرفيةُ المُتنوعةُ (عُسْرَةٌ، مَيْسَرَةٌ، يُسِّرَ) فَتَكشِفُ عن مرونةِ اللغةِ في التعبيرِ عن تعددِ تجلياتِ الثنائيةِ، في حينِ أنَّ حروفَ الجرِّ (مَعَ، بَعْدَ) تَحمِلُ دلالاتٍ زمنيةً تُحوِّلُ اليُسْرَ مِنْ حَدَثٍ عابرٍ إلى سُنَّةٍ إلهيةٍ تَصحبُ الإنسانَ في رحلتِه. وفي الإطارِ التطبيقيِّ، تَبرُزُ الانزياحاتُ الدلاليةُ كَعُنصرٍ جوهريٍّ: ففي آيةِ ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾، يَتحوَّلُ معنى "النظرةِ" مِنَ الرؤيةِ البصريةِ إلى الانتظارِ الزمنيِّ، لِيُصبحَ التأجيلُ سُترةً مِنْ رحمةِ اللهِ. وفي سورةِ الشرحِ، يُؤكِّدُ التكرارُ الإيقاعيُّ لـ"يُسْرًا" على حتميةِ تَعاقُبِ الفرجِ بعدَ الشدةِ، مُشكِّلًا نَغمةً موسيقيةً تَحمِلُ بُشرى لِلقَلْبِ قبلَ العقلِ.

التنزيلات

تنزيل البيانات ليس متاحًا بعد.

السيرة الشخصية للمؤلف

  • الأستاذ الدكتور عبدالله محمد فهد رشيد العزاوي، كلية الإمام الأعظم الجامعة – قسم أصول الدين

    كلية الإمام الأعظم الجامعة – قسم أصول الدين

التنزيلات

منشور

30-06-2025

الأعمال الأكثر قراءة لنفس المؤلف/المؤلفين

1 2 3 > >> 

المؤلفات المشابهة

يمكنك أيضاً إبدأ بحثاً متقدماً عن المشابهات لهذا المؤلَّف.